كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالوا: ولا يجوز المجنون جنونًا مطبقًا، لأنه وجد فيه المعنيان: ذهاب منفعة الجنس، وحصول الضرر بالعمل. قاله في المغني، ثم قال: وبهذا كله قال الشافعي ومالك، وأبو ثور وأصحاب الرأي. انتهى محل الغرض منه.
وبه علم إجماع الأئمة الأربعة على اشتراط السلام من مثل العيوب المذكورة.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجزئ مقطوع اليد أو الرجل، ولا أشلهما ولا مقطوع إبهام اليد أو سبابتها أو الوسطى، لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء، ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر، من يد واحدة، لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك.
وإن قطعت كل واحدة من يد جاز، لأن من نفع الكفين باق وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها، فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين، وإن كان من غير الإبهام لم يمنع، لأن منفعتها لا تذهب، فإنها تصير كالأصابع القصار، حتى لو كانت أصابعه كلها غير الإبهام قد قطعت من كل واحد منها أنملة لم يمنع، وإن قطع من الإصبع أنملتان فهو كقطعها، لأن يذهب بمنفعتها، وهذا جميعه مذهب الشافعي أي وأحمد.
وقال أبو حنيفة: يجزئ مقطوع إحدى الرجلين أو إحدى اليدين، ولو قطعت رجله ويده جميعًا من خلاف أجزأت لأن منفعة الجنس باقية، فأجزأت في الكفارة كالأعور، فأما إن قطعتا من وفاق: أي من جانب واحد لم يجز، لأن منفعة المشي تذهب، ولنا أن هذا يؤثر في العمل، ويضر ضررًا بينًا. فوجب أن يمنع إجزاءها كما لو قطعتا من وفاق، ويخالف العور فإنه لا يضر بينًا، والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس، فإنه لو ذهب شمه أو قطعت أذناه معًا أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس. ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجًا كثيرًا فاحشًا، لأنه يضر بالعمل، فهو كطع الرجل إلى أن قال: ويجزئ الأعور في قولهم جميعًا.
وقال أبو بكر: فيه قول الآخر: إنه لا يجزئ، لأنه نقص يمنع التضحية والإجزاء في الهدي، فأشبه العمى، والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تكميل الأحكام وتمليك العبد المنافع، والعور لا يمنع ذلك، ولأنه لا يضر بالعمل فأشبه قطع إحدى الأذنين، ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضررًا بينًا ويمنع كثيرًا من الصنائع، ويذهب بمنعفة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين. فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما، والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما.
وأما الأضحية والهدي، فإنه لا يمنع منهما مجرد العور، وإنما يمنع انخساف العين وذهاب العضو المستطاب، ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن، والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل ويجزئ المقطوع الأذنين. وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك وزفر: لا يجزئ، لأنهما عضوان فيهما الدية، فأشبها اليدين، ولنا أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين، فلم يمنع كنقص السمع، بخلاف اليدين، ويجزئ مقطوع الأنف لذلك، ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة والأخرس إذا فهمت إشارته وفهم الإشارة، وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يجزئ، لأن منفعة الجنس ذاهبة، فأشبه زائل العقل، وهذا المنصوص عليه عن أحمد، لأن الخرس نقص كثير يمنع كثيرًا من الأحكام مثل القضاء والشهادة. وأكثر الناس لا يفهم إشارته فيتضرر في ترك استعماله، وإن اجتمع الخرس والصمم. فقال القاضي: لا يجزئ، وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه ذهاب منفعتي الجنس، ووجه الأجزاء أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام، ويثبت في حقه أكثر الأحكام، فيجزئ لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره.
وأما المريض فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة، وإن كان غير مرجو الزوال لم يجز.
وأما نضو الخلق يعني النحيف المهزول خلقة، فإن كان يتمكن من العمل أجزأ وإلا فلا. ويجزئ الأحمق وهو الذي يصنع الأشياء لغير فائدة، ويرى الخطأ صوابًا. وكذلك يجزئ من يخنق في بعض الأحيان. والخصي والمجبوب، والرتقاء والكبير الذي يقدر على العمل، لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه، وتكميل أحكامه، فيحصل الإجزاء به، كالسالم من العيوب. انتهى من المغني مع حذف يسير لا يضر بالمعنى.
ثم قال صاحب المغني: ويجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده، وإذا قلنا بصحة عتقهم، وعتق المدبر والخصي وولد الزنا لكمال العتق فيهم ولا يجزئ عتق المغضوب، لأنه لا يقدر على تمكينه من منافعه، ولا غائب غيبة منقطعة لا يعلم خبره، لأنه لا تعلم حياته فلا تعلم صحة عتقه، وإن لم ينقطع خبره أجزأ عتقه، لأنه عتق صحيح.
ولا يجزئ عتق الحمل، لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا، ولذلك لم تجب فطرته، ولا يتيقن أيضًا وجوده وحياته. ولا عتق أم الولد، لأن عتقها مستحق بسبب غير الكفارة والملك فيها غير كامل، ولهذا لم يجز بيعها.
وقال طاوس والبتي: يجزئ عتقها، لأنه عقت صحيح. ولا يجزئ عتق مكاتب أدى من كتابته شيئًا. انتهى كلام صاحب المغني، وقد ذكر فيه غالب ما في مذاهب الأئمة الأربعة في المسألة.
ومعلوم أن مذهب مالك رحمه الله: اشتراط الإيمان في رقبة الظهار، واشتراط سلامتها من العيوب المضرة، فلا يجوز عنده عتق جنين في بطن أمه، وإن وضعته عتق من غير إجزاء عن الكفارة.
ولا يجزئ عنده مقطوع اليد الواحدة أو الأصبعين أو الأصابع أو الإبهام أو الأذنين، أو أشل أو أجذم أو أبرص، أو أصم أو مجنون. وإن أفاق أحيانًا ولا أخرس، ولا أعمى ولا مقعد، ولا مفلوج ولا يابس الشق ولا غائب منقطع خبره، ولا المريض مرضًا يشرف به على الموت ولا الهرم هرمًا شديدًا ولا الأعرج عرجًا شديدًا، ولا رقيق مشترى بشرط العتق لما يوضع من ثمنه في مقابلة شرط العتق، ولا من يعتق عليه بالملك كأبيه ولا عبد قال: إن اشتريته فهو حر فلو قال: إن اشتريته فهو حر عن ظهاري، ففيه لهم تأويلان بالإجزاء وعدمه.
ولا يجزئ عنده المدبر، ولا المكاتب، ولو أعتق شركًا له في عبد، ثم قوم عليه نصيب شريكه لم يجزه عن ظهاره عنده، لأن عتق نصيب الشريك وجب عليه بحكم سراية العتق، وكذلك لو أعتق نصفه عن ظهاره، ثم بعد ذلك اشترى نصفه الآخر فأعتقه تكميلًا لرقبة الظهار، لم يجزه على ظاهر المدونة لتبعيض العتق إن كان معسرًا وقت عتق النصف الأولن ولأن عتق النصف الباقي يلزمه بالحكم، إن كان موسرًا وقت عتق النصف الأول، ولو أعتق ثلاث رقاب عن أربع زوجات ظاهر منهن لم يجزه من ذلك شيء.
لأنه لم تتعين رقبة كاملة عن واحدة منهن.
ويجزئ عند المالكية عتق المغضوب والمريض مرضًا خفيفًا، والأعوج عرجًا خفيفًا، ولا يضر عندهم قطع أنملة واحدة أو أذن واحدة، ويجزئ عندهم الأعور، ويكره عندهم الخصي، ويجوز عندهم عتق المرهون والجاني إن افتديا انتهى.
ومعلوم أن أبا حنيفة لا يشترط الإيمان في كفارة الظهار كما تقدم ولم يجزئ عنده الأعمى ولا مقطوع اليدين معًا أو الرجلين معًا، ولا مقطوع إبهامي اليدين ولا الأخرس ولا المجنون ولا أم الولد، ولا المدبر، ولا المكاتب، إن أدى شيئًا من كتابته، فإن لم يؤد منها شيئًا أجزأ عنده، وكذلك يجزئ عنده قرينه الذي يعتق عليه بالملك إن نوى بشرائه إعتاقه عن الكفارة، وكذلك لو أعتق نصف بعده عن الكفارة، ثم حرر باقية عنها أجزأه ذلك، ويجزئ عنده الأصم والأعور، ومقطوع إحدى الرجلين وإحدى اليدين من خلاف، ويجزئ عنده الخصي، والمجبوب، ومقطوع الأذنين. اهـ.
وقد قدمنا أكثر العيوب المانعة من الإجزاء، وغير المانعة عند الشافعية في كلام صاحب المغني ناقلًا عنه، وكذلك ما يمنع وما لا يمنع عند أحمد فاكتفينا بذلك خشية كثرة الإطالة.
الفرع الثالث: اعلم أنه قد دل الكتاب والسنة والإجماع، على أن الصوم لا يجزئ في الظهار إلا عند العجز عن تحرير الرقبة، فإن عجز عن ذلك انتقل إلى الصوم، وقد صرح تعالى بأنه صيام شهرين متتابعين، ولا خلاف في ذلك.
الفرع الرابع: اختلف العلماء في تحقيق مناط العجز عن الرقبة الموجب للانتقال إلى الصوم، وإن كانت له رقبة يحتاج إليها لكونه زمنًا أو هرمًا أو مريضًا، أو نحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى عجزه عن خدمة نفسه.
قال بعضهم: وككونه ممن لا يخدم نفسه عادة، فقال بعضهم: لا يلزمه الإعتاق، ويجوز له الانتقال إلى الصوم نظرًا لحاجته إلى الرقبة الموجودة عنده.
قال في المغني: وبهذا قال الشافعي أي وأحمد. وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي: متى وجد رقبة لزمه إعتاقها ولم يجز له الانتقال إلى الصيام، سواء كان محتاجًا إليها أو لم يكن، لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام، ألا يجد رقبة بقوله: {فَمَن لَّمْ يَجدْ} [المجادلة: 4] وهذا واجد وإن وجد ثمنها، وهو محتاج إليه لم يلزمه شراؤها. وبه قال أبو حنيفة، وقال مالك: يلزمه، لأن وجدان ثمنها كوجدانهاز ولنا أن ما استغرفته حاجة الإنسان، فهو كالمعدوم في جواز الانتقال إلى الصيام كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش يجوز له الانتقال إلى التيمم.
انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر عندي في هذه المسألة: أن الرقبة إن كان يحتاج إليها حاجة قوية، ككونه زمنًا أو هرمًا لا يستغني عن خدمتها، أو كان عنده مال يمكن شراء الرقبة منه، لكنه محتاج إليه في معيشته الضرورية أنه يجوز له الانتقال إلى الصوم، وتعتبر الرقبة كالمعدومة، وأن المدار في ذلك على ما يمنعه استحقاق الزكاة من اليسار. إن كانت الرقبة فاضلة عن ذلكن لزم إعتاقها، وإلا فلا. والأدلة العامة المتقضية عدم الحرج في الدين تدل على ذلك كقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين منْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ونحو ذلك. والعلم عند الله تعالى.
الفرع الخامس: إن كان المظاهر حين وجوب الكفارة غنيًا إلا أن ماله غائب. فالأظهر عندي أنه إن كان مرجو الحضور قريبًا لم يجز الانتقال إلى الصوم، لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة، وإن كان بعيدًا جاز الانتقال إلى الصوم، لأن المسيس حرام عليه قبل التكفيرن ومنعه من التمتع بزوجته زمنًا طويلًا فيه إضرار بكل من الزوجين، وفي الحديث: «لا ضرر ولا ضرار» خلافًا لبعض أهل العلم في ذلك.
الفرع السادس: إن كان عنده مال يشتري به الرقبة، ولكنه لم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام، لدخوله في قوله تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجدْ فَصيَامُ شَهْرَيْن} [المجادلة: 4] الآية، وهذا واضح، وأما إن وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن مثلها، ولم يجد رقبة بثمن مثلها، فلأهل العلم في ذلك خلاف، هل يلزمه شراؤها بأكثر من ثمن المثل أو لا يلزمه؟ وأظهر أقوالهم في ذلك عندي: هو أن الزيادة المذكورة على ثمن المثل إن كانت تجحف بماله، حتى يصير بها من مصارف الزكاة، فله الانتقال إلى الصوم. إلا فلا، والعلم عند الله تعالى.
الفرع السابع: أجمع أهل العلم على أن صوم شهري الظهار يجب تتابعهما أي موالاة صيام أيامه من غير فصل بينهما. ولا خلاف بينهم في أن من قطع تتابعه لغير عذر: أن عليه استئناف الشهرين من جديد، وهل يفتقر التتابع إلى نية فيه، لأهل العلم ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يفتقر لنية، لأنه تتابع واجب في العبادة، فلم يفتقر لنية تخصه كالمتابعة بين ركعات الصلاة.
والثاني: يفتقر لنية التتابع وتجدد النية كل ليلة، لأن ضم العبادة إلى عبادة أخرى إذا كان شرطًا وجبت فيه النية، كالجمع بين الصلاتين.
والثالث: تكفي نية التتابع في الليلة الأولى عن تجديد النية كل ليلة وهذا أقربها، لأنا لا نسلم أن صوم كل يوم عبادة مستقلة، بل الأظهر أن صوم الشهرين جميعًا عبادة واحدة. لأنه كفارة واحدة، فإذا نوى هذا الصوم أول ليلة فاللازم أن ينويه على وجهه المنصوص في الكتاب والسنة وهو شهران متتابعان، وهذا يكفيه عن تجديد النية كل ليلة.
وهذا ظاهر مذهب مالك ومذهب أحمد عدم الاحتياج إلى نية التتابع مطلقًا، وللشافعية وجهان أحدهما: كمذهب أحمد، والثاني: يفتقر إلى النية كل ليلة.
الفرع الثامن: اختلف أهل العلم فيما إذا كان قطع تتابع الصوم لعذر كمرض ونحوه، فقال بعض أهل العلم: إن كان قطع التتابع لعذر فإنه لا يقطع حكم التتابع، وله أن بيني على ما صام قبل حصول العذر. وهذا مذهب أحمد.
قال في المغني: وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال ابن المسيب، والحسن، وعطاء، والشعبي، وطاوس، ومجاهدن مالك، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر، والشافعي في القديم، وقال في الجديد: ينقطع التتابع، وهذا قول سعيد بن جبير والنخعي والحكم والثوري، وأصحاب الرأي قالوا: أفطر بفعله فلزمه الاستئناف.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الأظهر عندي في هذا الفرع أن قطع تتابع صوم كفارة الظهار بالإفطار في أثناء الشهرين إن كان لسبب لا قدرة له على التحرز عنه، كالمرض الشديد الذي لا يقدر معه على الصوم أنه يعذر في ذلك ولا ينقطع حكم التتابع، لأنه لا قدرة له على التحرز عنه، كالمرض الشديد الذي لا يقدر معه على الصوم أنه يعذر في ذلك ولا ينقطع حكم التتابع، لأنه لا قدرة له على التحرز عن ذلك والله جل وعلا يقول: {لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ويقول: {فاتقوا الله مَا استطعتم} [التغابن: 16]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» وإن كان يمكنه التحرز عن الإفطار الذي قطع به التتابع كالإفطار للسفر في أثناء صوم الكفارة، وكما لو كان ابتداء صومه الكفارة من شعبان، لأن شهره الثاني رمضان، وهو لا يمكن صومه عن الكفارة، وكما لو ابتدأ الصوم في مدة يدخل فيها يوم النحر أو يوم الفطر أو أيام التشويق، فإن التتابع ينقطع بذلك، لأنه قادر على التحرز عن قطعه بما ذكر لقدرته على تأخير السفر عن الصوم كعكسه، ولقدرته أيضًا على الصوم في مدة لا يتخللها رمضان، ولا العيدان، ولا أيام التشريق كما لا يخفى، وإذا قطع التتابع فإفطار هو قادر على التحرز عنه بما ذكر، فكونه يستأنف صوم الشهرين من جديد ظاهر لقوله تعالى: {فَصيَامُ شَهْرَيْن مُتَتَابعَيْن} [المجادلة: 4] وقد ترك التتابع مع قدرته عليه، هذا هو الأظهر عندنا والعلم عند الله تعالى.
تنبيه:
الأظهر: أنه إن وجب على النساء صوم يجب تتابعه لسبب اقتضى ذلك أن حكمهن في ذلك كما ذكرنا، فيعذرون في كل ما لا قدرة لهن على التحرز عنه كالحيض، والمرض دون غيره كالإفطار للسفر والنفاس، لأن النفاس يمكن التحرز عنه بالصوم قبله أو بعده، أما الحيض فلا يمكن التحرز عنه في صوم شهرين أو شهر، لأن المرأة تحيض عادة في كل شهر. والله تعالى أعلم.
الفرع التاسع: في حكم ما لو جامع المظاهرة منها أو غيره ليلًا، في أثناء صيام شهرين الكفارة، وفي هذا الفرع تفصيل لأهل العلم.
اعلم أنه إن جامع في نهار صوم الكفارة عمدًا انقطع تتابع صومه إجماعًا، ولزمه استئناف الشهرين من جديد، وسواء في ذلك كانت الموطوءة هي المظاهرة منها أو غيرها وهذا لا نزاع فيه، وكذلك لو أكل أو شرب عمدًا في نهار الصوم المذكور، وأما إن كان جماعة ليلًا في زمن صوم الكفارة، فإن كانت المرأة التي جامعها زوجة أخرى غير المظاهر منها، فإن ذلك لا يقطع التتابع، لأن وطء غير المظاهر منها ليلًا زمن الصوم مباح له شرعًا، ولا يخل يتتابع الصوم في أيام الشهرين كما ترى، وهذا لا ينبغي أن يخلف فيه.